“طحطوح” يظفر بجائزة وهران: رحلة في ذاكرة قرية مهجورة وصمود استثنائي

في قلب الجزائر، وعلى أعلى جبال برج بوعريريج، تقع قرية “أفيغو”، التي كانت يومًا ما تنبض بالحياة. لكن مع بداية التسعينيات، وهي الفترة التي عُرفت بالعشرية السوداء، غادر سكانها القرية هربًا من شبح الإرهاب الذي كان يهدد الأرواح ويزعزع الأمن. تلك القرية الجميلة أصبحت مهجورة، إلا من شخص واحد… العم حسان، المعروف باسم “طحطوح”، الذي اختار أن يبقى، متحديًا كل الصعاب.

هذا ما يعكسه فيلم “طحطوح” الذي أخرجه محمد والي، والذي نجح في أن يخطف الأنظار ويتوج بجائزة “الوهر الذهبي” كأفضل فيلم وثائقي قصير في طبعته الـ12 ضمن مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي. فما هي تفاصيل هذا الفيلم؟ وما الذي دفع محمد والي لتوثيق حكاية “طحطوح”؟

العشرية السوداء… ذكريات مؤلمة

فيلم “طحطوح” يعيدنا إلى حقبة العشرية السوداء في الجزائر، وهي الفترة التي شهدت مواجهات دموية بين القوات الأمنية والجماعات المسلحة، ما أجبر سكان أكثر من 200 قرية على مغادرتها خوفًا من القتل والدمار. قرية “أفيغو” كانت واحدة من هذه القرى، لكن “طحطوح”، العم حسان، رفض مغادرتها. رغم انعدام الأمن والظروف الصعبة، قرر البقاء وحيدًا ليصبح الحارس الوحيد لذكريات أهله وجيرانه.

في ذروة كورونا… تحدٍ مضاعف لتصوير الفيلم

أشار المخرج محمد والي إلى أن تصوير الفيلم لم يكن مهمة سهلة. ففي عام 2020، وبينما كان العالم يواجه جائحة كورونا، كانت حركة المرور متوقفة، وكان من الصعب التنقل بين المدن. لكن فريق الفيلم نجح في الوصول إلى “أفيغو” وتوثيق حياة “طحطوح” الذي تجاوز الخمسين من عمره. هذا التحدي لم يكن فقط في الجانب اللوجستي، بل أيضًا في الجانب النفسي، حيث عكس الفيلم إحساس الوحدة والحنين الذي يعيشه العم حسان في قريته المهجورة.

مهرجان وهران… واحتفاء بالإبداع الجزائري

مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، الذي أقيم في الفترة من 3 إلى 10 أكتوبر الجاري، شهد منافسة قوية بين أكثر من 60 عملًا سينمائيًا تم اختيارها من بين 400 فيلم مسجل على المنصة الرقمية للمهرجان. من بين هذه الأعمال، برز “طحطوح” كأحد أبرز الأفلام الوثائقية القصيرة، وتمكن من التربع على عرش الفائزين بجائزة “الوهر الذهبي”.

إشادة وتقدير دولي

لم يكن “طحطوح” مجرد فيلم محلي يحتفي بالقرية الجزائرية وتراثها، بل استطاع أن يحقق نجاحًا دوليًا أيضًا. فقد توج في مهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي بجمهورية مصر العربية عام 2023، حيث حصل على جائزة مالية قدرها 2000 دولار. هذا النجاح يبرز قوة الفيلم في استحضار قصص منسية، وتقديمها بطريقة مؤثرة تجذب انتباه الجمهور والنقاد على حد سواء.

“طحطوح”… قصة قرية ودرس في الصمود

الفيلم لم يكن مجرد وثيقة بصرية توثق واقع قرية مهجورة، بل هو درس في الصمود والإصرار. “طحطوح” يمثل كل أولئك الذين يرفضون الاستسلام للظروف القاسية، الذين يظلون متمسكين بجذورهم رغم كل الصعاب. هو نموذج للأمل، للوفاء للأرض، وللتحدي في مواجهة الفناء.

ختامًا، يُعد “طحطوح” أحد الأفلام الوثائقية القليلة التي استطاعت أن تدمج بين الحاضر والماضي، بين الألم والأمل. ومن خلال رؤية مخرجه محمد والي، استطعنا أن نعيش تجربة واقعية، مليئة بالمشاعر المتناقضة، والتي جعلت الفيلم يتوج بجائزة “الوهر الذهبي” بكل استحقاق.

مشاركة المقالة